للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد تعرّض القاضي عياض في كتاب الشفاء لهذا (١)، وأجاب بما حاصله أنها كذلك لثبوتها.

وقوله: ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ هذا فيه تسلية من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه؛ أي لا يهيدنك ذلك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء.

قال البخاري: قال ابن عباس: ﴿فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ (٢). قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس؛ ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه (٣). وقال مجاهد: ﴿إِذَا تَمَنَّى﴾ يعني: إذا قال (٤)، ويقال: أمنيته قراءته "إلا أماني" يقولون ولا يكتبون.

قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا: معنى قوله: ﴿تَمَنَّى﴾ أي: تلا وقرأ كتاب الله ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ أي: في تلاوته، قال الشاعر في عثمان حين قتل:

تمنى كتاب الله أول ليلة … وآخرها لاقى حمام المقادر (٥)

وقال الضحاك: ﴿إِذَا تَمَنَّى﴾ إذا تلا (٦). قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام.

وقوله: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ حقيقة النسخ لغة: الإزالة والرفع.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي فيبطل الله ما ألقى الشيطان (٧).

وقال الضحاك: نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته (٨).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ أي: بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية ﴿حَكِيمٌ﴾ أي: في تقديره وخلقه وأمره، له الحكمة التامة والحجة البالغة، ولهذا قال: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أي: شك وشرك وكفر ونفاق؛ كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله، وإنما كان من الشيطان.

قال ابن جريج: ﴿لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ هم المنافقون، ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هم المشركون (٩).

وقال مقاتل بن حيان: هم اليهود ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ أي: في ضلال ومخالفة وعناد بعيد؛ أي من الحق والصواب،

﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أي: وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل والمؤمنون بالله ورسوله أن


(١) الشفا ٢/ ٧٥٠.
(٢) أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (الصحيح، تفسير سورة الحج باب ٢٢)، وقال الحافظ ابن حجر: وصله الطبري من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس مقطعًا (فتح الباري ٨/ ٤٣٨).
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٤) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) معالم التنزيل ٣/ ٢٩٣.
(٦) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٧) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٨) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٩) أخرجه الطبري بسند ضعيف مقطعًا، وفيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف.