للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢)(١).

رواه ابن جرير، عن بُندار، عن غُندر، عن شعبة به بنحوه (٢)، وهو مرسل، وقد رواه البزار في مسنده عن يوسف بن حماد، عن أُمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فيما أحسب الشك في الحديث: أن النبي قرأ بمكة سورة النجم حتى انتهى إلى ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)﴾ … وذكر بقيته، ثم قال البزار: لا نعلمه يروى متصلًا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أُمية بن خالد، وهو ثقة مشهور (٣)، وإنما يُروى هذا من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، ثم رواه ابن أبي حاتم، عن أبي العالية، وعن السدي مرسلًا، وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس مرسلًا أيضًا (٤).

وقال قتادة: كان النبي يصلي عند المقام إذ نعس، فألقى الشيطان على لسانه وإن شفاعتها لترتجي، وإنها لمع الغرانيق العلى، فحفظها المشركون وأجرى الشيطان أن النبي قد قرأها، فزلت بها ألسنتهم، فأنزل الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ … ﴾ الآية، فدحر الله الشيطان (٥).

ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنه ضلالهم، فكان يتمنى هداهم، فلما أنزل الله سورة النجم قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١)


(١) أخرجه البُستي من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به، وسنده مرسل، ويتقوى بالروايات التالية، والمراد بقوله: "فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العُلى وأن شفاعتهن ترتجى" أي: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله . وهذا ما قرره الإمام البغوي والقاضي عياض كما سيأتي، وعبر الحافظ ابن كثير: أن هذا القول من ألطفها؛ أي من ألطف الأقوال التي قيلت في هذه القصة، وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى ١٥/ ١٩١)، وذكر الحافظ ابن حجر أن للقصة أصلًا (فتح الباري ٨/ ٤٣٩)، وعليه فإن هذه القصة حقيقية، ولا تؤثر على الوحي؛ لأن المؤمنين لم يسمعوا بذلك، وإنما سمع ذلك المشركون الذين يوسوس فيهم الشيطان فذلك من تلك الوسوسة التي تأثر بها المشركون ولم يتأثر بها المؤمنون.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ويتقوى بما يليه.
(٣) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ح ٢٢٦٣)، وسنده حسن، وأخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مختصرًا، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/ ١١٥)، وأخرجه الضياء المقدسي (المحتارة ١٠/ ٢٣٤).
(٤) أخرجه الطبري بأسانيد مرسلة عن محمد بن كعب وأبي العالية وسعيد بن جبير والزهري، وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضًا وتتقوى برواية ابن عباس ، وصححه السيوطي في الدر المنثور، وأما طريق الكلبي فضعيف وقد عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(٥) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وهو مرسل يتقوى بما سبق، وذكره البغوي (معالم التنزيل ٣/ ٢٩٤).