للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ إلى أن قال ﴿وَكُذِّبَ مُوسَى﴾ أي: مع ما جاء به من الآيات البينات والدلائل الواضحات.

﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ﴾ أي: أنظرتهم وأخرتهم، ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟! وذكر بعض السلف: أنه كان بين قول فرعون لقومه: أنا ربكم الأعلى، وبين إهلاك الله له أربعون سنة.

وفي الصحيحين عن أبي موسى، عن النبي قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)[هود] (١).

ثم قال تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ أي: كم من قرية أهلكتها؟ ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ أي: مكذبة لرسلها ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾.

قال الضحاك: سقوفها (٢)؛ أي: قد خربت وتعطلت حواضرها ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ أي: لا يستقى منها، ولا يردها أحد بعد كثرة وارديها والازدحام عليها.

﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ قال عكرمة: يعني المبيض بالجص (٣)، وروي عن علي بن أبي طالب ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبي المليح والضحاك نحو ذلك (٤). وقال آخرون: هو المنيف المرتفع (٥). وقال آخرون: المشيد: المنيع الحصين (٦)، وكل هذه الأقوال متقاربة ولا منافاة بينها، فإنه لم يحم أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].

وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: بأبدانهم وبفكرهم أيضًا، وذلك كافٍ كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، حدثنا مالك بن دينار قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أن: يا موسى اتخذ نعلين من حديد وعصا، ثم سِح في الأرض، ثم اطلب الآثار والعبر، حتى يتخرق النعلان وتنكسر العصا (٧).

وقال ابن أبي الدنيا: قال بعض الحكماء: أحيّ قلبك بالمواعظ، ونوّره بالتفكر، وموّته بالزهد، وقوّه باليقين، وذلّله بالموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر


(١) الحديث تقدم تخريجه في تفسيرها.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك، ومعناه صحيح.
(٣) أخرجه الطبري بعدة أسانيد يقوي بعضها بعضًا.
(٤) قول مجاهد أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه وقول عطاء أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن جريج عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند حسن من طريق هلال بن خباب عنه.
(٥) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٧) سنده مرسل.