للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفحش تقلب الأيام، وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكره ما أصاب من كان قبله، وسيره في ديارهم وآثارهم، وانظر ما فعلوا وأين حلُّوا وعمَّ انقلبوا؛ أي: فانظروا ما حلَّ بالأمم المكذبة من النقم والنكال.

﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أي: فيعتبرون بها ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ أي: ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر، وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سارة الأندلسي الشنتريني، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة:

يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد … نادى به الناعيان الشيب والكبر

إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى … في رأسك الواعيان السمع والبصر

ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل … لم يهده الهاديان العين والأثر

لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك … الأعلى ولا النّيران الشمس والقمر

ليرحلن عن الدنيا وإن كرها … فراقها الثاويان البدو والحضر

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)﴾.

يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ أي: هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)[الأنفال]، ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (١٦)[ص].

وقوله: ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: الذي قد وعد من إقامة الساعة والانتقام من أعدائه، والإكرام لأوليائه. قال الأصمعي: كنت عند أبي عمرو بن العلاء، فجاءه عمرو بن عُبيد فقال: يا أبا عمرو، هل يخلف الله الميعاد؟ فقال: لا، فذكر آية وعيد، فقال له: أمن العجم أنت؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤمًا، وعن الإيعاد كرمًا، أما سمعت قول الشاعر (١):

ليرهب ابن العم والجار سطوتي … ولا أنثني عن سطوة المتهدد

فإني وإن أوعدته أو وعدته … لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وقوله: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ أي: هو تعالى لا يعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حلمه، لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شيء وإن أجل وأنظر وأملى، ولهذا قال بعد هذا: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: "يدخل


(١) هو عامر بن الطفيل، وهذا الشعر في ديوانه ص ٥٨.