للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة ووافاهم رسول الله واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلًا يلجؤون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾.

قال العوفي، عن ابن عباس: أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني: محمدًا وأصحابه (١).

﴿إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أي: ما كان لهم إلى قومهم إساءة، ولا كان لهم ذنب إلا إنهم وحّدوا الله وعبدوه لا شريك له، وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر؛ وأما عند المشركين فإنه أكبر الذنوب، كما قال تعالى: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ [الممتحنة: ١]، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)[البروج: ٨]، ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ويقولون:

اللَّهم لولا أنت ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلنْ سكينة علينا … وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بَغوا علينا … إذا أرادوا فتنة أبينا (٢)

فيوافقهم رسول الله ويقول معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا:

إذا أرادوا فتنة أبينا

يقول: "أبينا" يمد بها صوته (٣).

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ أي: لولا أنه يدفع بقوم عن قوم، ويكفُّ شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب، لفسدت الأرض ولأهلك القوي الضعيف.

﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ وهي المعابد الصغار للرهبان، قاله [ابن عباس] (٤) ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والضحاك وغيرهم (٥).

وقال قتادة: هي معابد الصابئين (٦)، وفي رواية عنه: صوامع المجوس، وقال مقاتل بن حيان: هي البيوت التي على الطرق.


(١) الأثر تتمه لما قبل الحديث السابق.
(٢) هذه الأبيات رواها مسلم عن عامر بن الأكوع في غزوة خيبر (الصحيح، الجهاد والسير، باب غزوة خيبر ح ١٨٠٣).
(٣) أخرجه البخاري من حديث البراء (الصحيح، المغازي، باب غزوة الخندق ح ٤١٠٤).
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.
(٥) قول ابن عباس عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم، وقول مجاهد، أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيج عنه، وقول أبي العالية وهو رُفيع، أخرجه الطبري بسند حسن من طريق داود عنه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.