للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله، رواه البخاري.

وأما مقدار سن الأضحية فقد روى مسلم عن جابر: أن رسول الله قال: "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" (١)، ومن ههنا ذهب الزهري إلى أن الجذع لا يجزئ، وقابله الأوزاعي فذهب إلى أن الجذع يجزئ من كل جنس، وهما غريبان.

والذي عليه الجمهور إنما يجزئ الثني من الإبل والبقر والمعز، أو الجذع من الضأن، فأما الثني من الإبل فهو الذي له خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما له سنتان ودخل في الثالثة.

وقيل: ما له ثلاث ودخل في الرابعة، ومن المعز ما له سنتان.

وأما الجذع من الضأن فقيل: ما له سنة، وقيل: عشرة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ستة أشهر، وهو أقل ما قيل في سنه، وما دونه فهو حمل، والفرق بينهما أن الحمل شعر ظهره قائم، والجذع شعر ظهره نائم، قد انفرق صدغين (٢)، والله أعلم.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)﴾.

يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم، كما قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦]، وقال: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)[الطلاق: ٣].

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق لا يفي بما قال، والكفر الجحد للنعم، فلا يعترف بها.

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)﴾.

قال العوفي، عن ابن عباس: نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة (٣).

وقاله مجاهد والضحاك (٤)، وغير واحد من السلف كابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم: هذه أول آية نزلت في الجهاد (٥)، واستدل بهذا الآية بعضهم على أن السورة مدنية.


= بيت ح ١٥٠٥)، وأخرجه ابن ماجه، السنن، الأضاحي، باب من ضحى بشاة عن أهله (ح ٣١٤٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٥٤٦).
(١) صحيح مسلم، الأضاحي، باب سن الأضحية (ح ١٩٦٣).
(٢) أي: الذي أتى له من وقت الولادة سبعة أيام (ينظر: النهاية ٣/ ١٧).
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي ويتقوى برواية ابن عباس التالية.
(٤) قول مجاهد أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وكلاهما يقوي أحدهما الآخر، ولهما شاهد في الرواية التالية عن ابن عباس.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.