للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: ﴿وَبَشِّرِ﴾ يا محمد ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾؛ أي في عملهم القائمين بحدود الله المتبعين ما شرع لهم المصدقين الرسول فيما أبلغهم وجاءهم به من عند ربه ﷿.

(مسألة): وقد ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى القول بوجوب الأضحية على من مَلكَ نصابًا، وزاد أبو حنيفة: اشتراط الإقامة أيضًا، واحتج لهم بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من وجد سَعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا" (١) على أن فيه غرابة، واستنكره أحمد بن حنبل، وقال ابن عمر: أقام رسول الله عشر سنين يضحي، رواه الترمذي (٢).

وقال الشافعي وأحمد: لا تجب الأُضحية؛ بل هي مستحبة لما جاء في الحديث: "ليس في المال حق سوى الزكاة" (٣)، وقد تقدم أنه ضحى عن أمته، فأسقط ذلك وجوبها عنهم. وقال أبو سريحة: كنت جارًا لأبي بكر وعمر، فكانا لا يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما.

وقال بعض الناس: الأضحية سنة كفاية، إذا قام بها واحد من أهل دار أو محلة أو بيت، سقطت عن الباقين؛ لأن المقصود إظهار الشعار.

وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي عن مِحنف بن سُليم: أنه سمع رسول الله يقول بعرفات: "على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تدعونها: الرجبية (٤) " (٥)، وقد تُكلم في إسناده. وقال [أبو] (٦) أيوب: كان الرجل في عهد رسول الله يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس، فصار كما ترى. رواه الترمذي وصححه وابن ماجه (٧).


(١) أخرجه ابن ماجه (السنن، الأضاحي، باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟ ح ٣١٢٣)، والحاكم (المستدرك ٢/ ٣٨٩) كلاهما من طريق زيد بن الحباب عن عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبد الله بن عياش به، وضعفه محققوه (المسند ١٤/ ٢٤ ح ٨٢٧٣)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٥٣٢)، وقد ذكر بعض النقاد أنه موقوف (ينظر: نصب الراية ٤/ ٢٠٧) وقال الطحاوي: الموقوف أشبه بالصواب (ينظر: فتح الباري ١٠/ ٣)، وهو الصواب.
(٢) السنن، الأضاحي، باب الدليل على أن الأضحية سنة (ح ١٥٠٧)، وحسنه الترمذي، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي.
(٣) أخرجه ابن ماجه من حديث فاطمة بنت قيس (السنن، الزكاة، باب ما أدى زكاته ليس بكنز ح ١٧٨٩)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
(٤) الرجبية: نسبة إلى رجب، وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يذبحونها في رجب (ينظر: مشكل الآثار ٣/ ٨٢، ٨٣).
(٥) أخرجه الإمام أحمد وقال محققوه: حسن لغيره (المسند ٢٩/ ٤١٩ ح ١٧٨٨٩)، وأخرجه أبو داود، السنن، الضحايا، باب ما جاء في إيجاب الأضاحي (ح ٢٧٨٨)، والترمذي (السنن، الأضاحي، باب العتيرة ح ١٥١٨)، والنسائي (السنن، الضحايا، باب الفرع والعتيرة ٧/ ١٦٧)، وابن ماجه (السنن، الأضاحي، باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟ ح ٣١٢٥)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٥٣٣).
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "ابن".
(٧) أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح (السنن، الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل =