للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة، وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو قول غريب.

وقوله: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يقول تعالى من أجل هذا ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ أي ذلَّلناها لكم، وجعلناها منقادة لكم خاضعة، إن شئتم ركبتم، وإن شئتم حلبتم، وإن شئتم ذبحتم، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣)[يس]، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)﴾.

يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرزاق لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي حماد، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جُريج قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها، فقال أصحاب رسول الله : فنحن أحق أن ننضح، فأنزل الله ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ (١) أي: يتقبل ذلك ويجزي عليه، كما جاء في الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (٢).

وجاء في الحديث: "إن الصدقة لتقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض" كما تقدم في الحديث، رواه ابن ماجه والترمذي، وحسنه عن عائشة مرفوعًا (٣)، فمعناه أنه سيق لتحقيق القبول من الله لمن أخلص في عمله وليس له معنى يتبادر عند العلماء المحققين سوى هذا، والله أعلم.

وقال وكيع، [عن يحيى بن مسلم أبي الضحاك] (٤): سألت عامرًا الشعبي، عن جلود الأضاحي، فقال: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ إن شئت فبع، وإن شئت فأمسِك، وإن شئت فتصدق (٥).

وقوله: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ أي: من أجل ذلك سخر لكم البُدن ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ أي: لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحبه ويرضاه ونهاكم عن فعل ما يكرهه ويأباه.


(١) سنده معضل؛ لأن ابن جُريج تابع تابعي.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة في آخر الآية ٢٧٥.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة التوبة آية ١٠٤.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "عن ابن مسلم بن الضحاك".
(٥) سنده جيد.