للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سنة، والميم أربعون (سنة) (١).

هذا لفظ ابن أبي حاتم. ونحوه رواه ابن جرير؛ ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال، ويوفق بينها، وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخَر، وأن الجمع ممكن؛ فهي أسماء للسور، ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور؛ فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته؛ كما افتتح سورًا كثيرةً بتحميده وتسبيحه وتعظيمه؛ قال: ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله، وعلى صفة من صفاته، وعلى مدة؛ وغير ذلك؛ كما ذكره الربيع بن أنس، عن أبي العالية؛ لأن الكلمة الواحدة تطلق على (معان) (٢) كثيرة؛ كلفظة "الأمة"؛ فإنها تطلق ويراد به الدين؛ كقوله (تعالى) (٣): ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] وتطلق ويراد بها الرجل المطيع للّه؛ كقوله (تعالى) (٢): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)[النحل] وتطلق ويراد بها الجماعة؛ كقوله (تعالى) (٢): ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] وقوله (تعالى) (٢): ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾ [النحل: ٣٦] وتطلق ويراد بها الحين من الدهر؛ كقوله (تعالى) (٢): ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] أي: بعد حين، على أصح القولين - قال: فكذلك هذا.

هذا حاصل كلامه موجهًا؛ ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية؛ فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا وعلى هذا معًا، (ولفظ) (٤) "الأمة" وما (أشبهه) (٥) من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنما دلَّ في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام، فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول، ليس هذا موضع البحث فيها. والله أعلم.

ثم إن (لفظ) (٦) "الأمة" يدلُّ على كل من (معانيه) (٧) في سياق الكلام بدلالة الوضع، فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدلُّ على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخَر في التَّقديرُ أو الإضمار بوضع ولا بغيره؛ فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف.

والمسألة مختلف فيها، وليس فيها إجماع حتَّى يحكم به، وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدلُّ على ما حذف بخلاف هذا؛ كما قال الشاعر (٨):

قلنا لها قفى لنا فقالت قاف … لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف

تعني: وقفت.


(١) ساقط من (ز).
(٢) في (ج): "معاني" بإثبات الياء.
(٣) من (ن).
(٤) كذا في (ص) وفي سائر "الأصول": "لفظة" وقد اخترت ما في (هـ) لأن المصنف سيكررها.
(٥) كذا في سائر "الأصول"، وفى (ز) و (ن): "أشبهها".
(٦) في (ك) و (ن): "لفظة".
(٧) كذا في سائر "الأصول"، وفي (ن): "معانيها".
(٨) هذا الرجز للوليد بن عقبة كما ذكر الشيخ محمود شاكر في تحقيقه "الطبري" (١/ ٢١٢). والإيجاف: حث الدابة على سرعة السير.