للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ أي: معبودكم واحد وإن تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضًا، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)[الأنبياء] ولهذا قال: ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ أي: أخلصوا واستسلموا لحكمه وطاعته ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾.

قال مجاهد: المطمئنين (١).

وقال الضحاك وقتادة: المتواضعين (٢).

وقال السدي: الوجلين (٣). وقال عمرو بن أوس: المخبتين الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا (٤).

وقال الثوري: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ قال: المطمئنين، الراضين بقضاء الله المستسلمين له (٥).

وأحسن ما يفسر بما بعده، وهو قوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: خافت منه قلوبهم ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ أي: من المصائب.

قال الحسن البصري: والله لنصبرنَّ أو لنهلكنَّ.

﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾ قرأ الجمهور بالإضافة السبعة وبقية العشرة أيضًا، وقرأ ابن السميفع "والمقيمين الصلاة" بالنصب (٦).

وقال الحسن البصري: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢]، وإنما حذفت النون ههنا تخفيفًا، ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة، وقيل: على سبيل [التخفيف] (٧)، فنصبت؛ أي: المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أي: وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم وفقرائهم ومحاويجهم، ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله، وهذه بخلاف صفات المنافقين، فإنهم بالعكس من هذا كله، كما تقدم تفسيره في سورة براءة (٨).

﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)﴾.

يقول تعالى مُمتنًا على عباده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره، وهو أنه جعلها


(١) أخرجه آدم ابن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه ابن أبي شيبة بسند ضعيف من طريق جويبر عنه (المصنف ١٣/ ٥٧٨).
(٣) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١٣/ ٥٧٨)، والطبري بسند جيد من طريق عثمان بن عبد الله بن أوس عن عمرو بن أوس.
(٥) أخرجه البستي بسند صحيح من طريق ابن أبي عمر عن الثوري.
(٦) وهي قراءة شاذة.
(٧) في الأصل بياض واستدرك من (ح) و (حم).
(٨) آية ٦٣.