للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الصحيحين عن أبي بَكرة: أن رسول الله قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور". فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، أنبأنا سفيان بن زياد، عن [فَاتك بن فَضَالة] (٢)، عن أيمن بن خُريم قال: قام رسول الله خطيبًا، فقال: "يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكًا بالله" ثلاثًا، ثم قرأ ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (٣). وهكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية به، ثم قال: غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد، وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعًا من النبي (٤).

وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا سفيان العصفري، عن أبيه، عن حبيب بن النعمان الأسدي، عن خريم بن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله الصبح، فلما انصرف قام قائمًا فقال: "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ﷿"، ثم تلا هذه الآية ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ (٥).

وقال سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن وائل بن ربيعة، عن ابن مسعود أنه قال: تعدل شهادة الزور الإشراك بالله، ثم قرأ هذه الآية (٦).

وقوله: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ﴾ أي: مخلصين له الدين منحرفين عن الباطل قصدًا إلى الحق، ولهذا قال: ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ ثم ضرب للمشرك مثلًا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى، فقال: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ﴾ أي: سقط منها ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ أي: تقطعه الطيور في الهواء ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ أي: بعيد مهلك لمن هوى فيه، ولهذا جاء في حديث البراء: إن الكافر إذا توفته ملائكة الموت وصعدوا بروحه إلى السماء؛ فلا تفتح له أبواب السماء بل تطرح روحه طرحًا من هناك، ثم قرأ هذه الآية، وقد تقدم الحديث في سورة إبراهيم بحروفه وألفاظه وطرقه (٧).


(١) صحيح البخاري، الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور (ح ٣٦٥٤)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (ح ٨٧).
(٢) كذا في (ح) و (حم) والمسند، وفي الأصل صُحف إلى: "وامل بن فضالة".
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه لجهالة فاتِك بن فَضَالة (المسند ٢٩/ ١٤٥ ح ١٧٦٠٣).
(٤) سنن الترمذي، الشهادات، باب ما جاء في شهادة الزور (ح ٢٢٩٩).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه لجهالة والد سفيان العصفري، واسمه: زياد (المسند ٣١/ ١٩٤ ح ١٨٨٩٨).
(٦) أخرجه البستي والطبراني (المعجم الكبير ٩/ ١١٤) كلاهما من طريق سفيان به، وفي سنده وائل بن ربيعة ذكره ابن حبان في الثقات (٥/ ٤٩٥)، وسكت عنه البخاري (التاريخ الكبير ٨/ ١٧٦) وابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٩/ ٤٣)، وحسن سنده الهيثمي (مجمع الزوائد ٤/ ٢٠٠) ولكن نكارة متنه لا تسعفه في تحسينه، وتوثيق ابن حبان لا يكفي لتفرده في ذلك.
(٧) تقدم تخريجه في تفسير سورة إبراهيم مطلع تفسير آية ٢٧.