للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن الزبير قال: إنما سمي البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة (١)، وقال الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد، حدثنا عبد الله بن صالح، أخبرني الليث، عن عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن محمد بن عروة، عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله : "إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار". وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن سهل البخاري، عن عبد الله بن صالح به، وقال: إن كان صحيحًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري مرسلًا (٢).

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (٣١)﴾.

يقول تعالى: هذا الذي أمرنا به من الطاعات في أداء المناسك وما لفاعلها من الثواب الجزيل ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أي: ومن يجتنب معاصيه، ومحارمه ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي: فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل، فكما على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل، كذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات، قال ابن جريج: قال مجاهد في قوله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ قال: الحرمة: مكة والحج والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها (٣)، وكذا قال ابن زيد (٤).

وقوله: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أي: أحللنا لكم جميع الأنعام، وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.

وقوله: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أي: من تحريم ﴿الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ … ﴾ الآية [المائدة: ٣]، قال ذلك ابن جرير، وحكاه عن قتادة.

وقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ من ههنا لبيان الجنس؛ أي: اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، وقرن الشرك بالله بقول الزور، كقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)[الأعراف]، ومنه شهادة الزور.


(١) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، ورجاله ثقات، لكن الزهري لم يسمع من عبد الله بن الزبير.
(٢) سنن الترمذي، تفسير القرآن، باب ومن سورة الحج (ح ٣١٧٠)، وتفسير الطبري وكلاهما من طريق عبد الله بن صالح، وهو كاتب الليث: صدوق كثير الغلط (التقريب ص ٣٠٨)، ولعله هو الذي رفعه، فإن الأصح وقفه على عبد الله بن الزبير.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج به ويتقوى من الطريق آخر، فقد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.