للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ قال: نزلت في عبد الله بن أُنيس: أن رسول الله بعثه مع رجلين: أحدهما مهاجر، والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب فغضب عبد الله بن أُنيس فقتل الأنصاري، ثم ارتدَّ عن الإسلام، وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ (١)؛ يعني: من لجأ إلى الحرم بإلحاد؛ يعني: بميل عن الإسلام، وهذه الآثار وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد، ولكن هو أعمُّ من ذلك بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها، ولهذا لمّا همَّ أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، ﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)[الفيل] أي: دمرهم وجعلهم عبرةً ونكالًا لكل من أراده بسوء، ولذلك ثبت في الحديث: أن رسول الله قال: "يغزو هذا البيت جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم. . ." الحديث (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كناسة، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير إياكَ والإلحاد في حرم الله، فإني سمعت رسول الله يقول: "إنه سيلحد فيه رجل من قريش، لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت" فانظر لا تكن هو (٣).

وقال أيضًا في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبدَ الله بن الزبير وهو جالس في الحِجر فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في الحرم، فإني أشهد لسمعت رسول الله يقول: "يحلُّها ويحلُّ به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها" قال: فانظر لا تكن هو (٤)، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين.

﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)﴾.

هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله وأشرك به من قريش في البقعة التي أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فذكر تعالى أنه بوأ إبراهيم مكان البيت؛ أي أرشده إليه وسلَّمه


(١) في سنده عبد الله بن لهيعة فيه مقال.
(٢) أخرجه البخاري من حديث عائشة (الصحيح، البيوع، باب ما ذكر في الأسواق ح ٢١١٨).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده بلفظ: "لا تكونه" (المسند ٢/ ١٣٦)، وهذا الحديث حقه أن يكون في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، كما هو في الحديث الذي يليه، وقد يكون محمد بن كناسة هو الذي أخطأ في ذلك؛ لأن أبا حاتم الرازي قال فيه: صاحب أخبار يكتب حديثه ولا يحتج به، وله أخطاء أخرى ذكرها ابن معين والدارقطني. (ينظر: تهذيب التهذيب ٩/ ٢٥٩، ٢٦٠)، ويؤكد هذا أن الحاكم أخرجه من طريق محمد بن كناسة به، وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: ابن كناسة لا يحتج به (المستدرك ٢/ ٣٨٨)، ثم كذلك في رفعه نظر، كما سيأتي في الحديث الآتي.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده بدون: "فانظر لا تكن هو"، وبدون ذكر عبد الله بن الزبير، وهو جالس بالحجر. (المسند ١١/ ٤٣٥ ح ٦٨٤٧)، وفي رفعه نظر، كما قرر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٨/ ٣٤٥).