للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم (١)، واختاره ابن جرير واستشهد عليه بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧].

وقال عطية العوفي: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي: نقضي عليه (٢). كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحد، وقال الشاعر:

فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى … تباركت ما تَقدْرَ يَكُن فلَكَ الأمر (٣)

ومنه قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١٢] أي: قدر. ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل (٤)، وكذا روي عن ابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والضحاك، والحسن، وقتادة (٥).

وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة حوت في بطن حوت آخر في ظلمة البحر (٦).

قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك وهنالك قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (٦).

وقال عوف الأعرابي: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس (٧).

وقال سعيد بن أبي الحسن البصري: مكث في بطن الحوت أربعين يومًا (٨). رواهما ابن جرير.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : "لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسندين يقوّي أحدهما الآخر، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بسابقه.
(٣) استشهد به القرطبي (الجامع ١١/ ٣٣٢).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٤١)، والبستي بسند صحيح من طريق عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، وأخرجه الحاكم من الطريق نفسه وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٨٣).
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد، وهو محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف، وفيه عنعنة ابن إسحاق، ويتقوى بسابقه، وبقية أقوال التابعين كلها مراسيل يقوّي بعضها بعضًا، وتتقوى بقول ابن مسعود.
(٦) قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما غالبًا ما يرويه الطبري بسند السدي الذي خلط بين طرق هذا الإسناد فترك.
(٧) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف.
(٨) أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح من طريق عوف عن سعيد بن أبي الحسن البصري (العقوبات ص ١٧٨).