للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك أكرهتك؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة، قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ ثم نزل فقال: اذهبي بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبدًا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبًا على بابه: غفر الله للكفل" (١)، هكذا وقع في هذه الرواية الكفل من غير إضافة، والله أعلم، وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وإسناده غريب، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث: إن كان الكفل، ولم يقل: ذو الكفل، فلعله رجل آخر، والله أعلم.

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾.

هذه القصة مذكورة هنا وفي سورة الصافات (٢) وفي سورة "ن" (٣)، وذلك أن يونس بن متى ، بعثه الله إلى أهل قرية نينوى، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله تعالى، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، فلما تحققوا منه ذلك وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله ﷿ وجأروا إليه، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها (٤)، فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)[يونس].

وأما يونس فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال الله تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)[الصافات] أي: وقعت عليه القرعة فقام يونس وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر - فيما قاله ابن مسعود - حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا، فإن يونس ليس لك رزقًا، وإنما بطنك تكون له سجنًا.

وقوله: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ يعني: الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة. وقوله: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ قال الضحاك لقومه: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي: نضيق عليه في بطن الحوت، يروى


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٨/ ٣٦٩ ح ٤٧٤٧) وضعفه محققوه، وأخرجه الترمذي من طريق أسباط بن محمد به وحسّنه (السنن، صفة القيامة باب رقم ٤٨ ح ٢٤٩٦)، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٢٥٤)، وإن صح سنده فقد وجه الحافظ متنه بأن المقصود غير ذي الكفل.
(٢) الآيات ١٣٩ - ١٤٨.
(٣) الآيات ٤٨ - ٥٠.
(٤) جمع حمل، وهو: الخروف.