للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر: لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعًا لم يجزع من شيء قط، فقال: اللَّهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع، فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان، ثم قال: اللَّهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط، وأنا أعلم مكان عارٍ، فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان، ثم قال: اللَّهم بعزتك، ثم خر ساجدًا، فقال: اللَّهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدًا حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه (١).

وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعًا بنحو هذا، فقال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن رسول الله قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخصِّ إخوانه له، كان يغدوان إليه ويروحان"، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر له، فقال أيوب : ما أدري ما تقول، غير أن الله ﷿ يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، قال: وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢)(٢) [ص]. رفع هذا الحديث غريب جدًا.

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: وألبسه الله حُلَّة من الجنة، فتنحى أيوب فجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب؟ فجعلت تكلمه ساعة. فقال: ويحك أنا أيوب. قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال: ويحك أنا أيوب قد ردَّ الله علي جسدي. وبه قال ابن عبّاس: وردَّ عليه ماله وولده عيانًا ومثلهم معهم (٣).

وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى أيوب قد رددت عليك أهلك ومالك، ومثلهم معهم؛ فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب عن صحابتك قربانًا، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك (٤). رواه ابن أبي حاتم.


(١) سنده مرسل، والخبر من الإسرائيليات.
(٢) أخرجه ابن حبان (الإحسان ٧/ ١٥٧، ١٥٨ ح ٢٨٩٨)، والبزار (المسند ٣/ ١٠٧ ح ٢٣٥٧)، والحاكم كلهم من طريق نافع بن يزيد به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥٨١)، وقال الهيثمي: ورجال البزار رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٨/ ٢١١)، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٧).
(٣) سنده ضعيف لضعف علي بن زيد، وهو ابن جدعان، والشطر الأخير عن ابن عباس له شواهد تأتي بعد ثلاث روايات.
(٤) أخرجه الطبري، وهو من الإسرائيليات.