للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحًا، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من ذلك، فخرجت فكانت تعمل للناس بالأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من أهل فلسطين، كانا صديقين له وأخوين، فأتاهما فقال: أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا، فأتياه وزوراه، واحملا معكما من خمر أرضكما، فإنه إن شرب منه برئ، فأتياه فلما نظرا إليه بكيا، فقال: من أنتما؟ فقال: نحن فلان وفلان، فرحب بهما وقال: مرحبًا بمن لا يجفوني عند البلاء، فقالا: يا أيوب لعلك كنت تسر شيئًا وتظهر غيره، فلذلك ابتلاك الله؟ فرفع رأسه إلى السماء فقال: هو يعلم، ما أسررت شيئًا أظهرت غيره، ولكن ربي ابتلاني لينظر أصبر أم أجزع. فقالا له: يا أيوب اشرب من خمرنا، فإنك إن شربت منه برأت. قال: فغضب، وقال: جاءكما الخبيث فأمركما بهذا؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما عليَّ حرام، فقاما من عنده، وخرجت امرأته تعمل للناس، فخبزت لأهل بيت لهم صبي، فجعلت لهم قرصًا (١)، وكان ابنهم نائمًا، فكرهوا أن يوقظوه فوهبوه لها، فأتت به إلى أيوب فأنكره وقال: ما كنت تأتيني بهذا، فما بالك اليوم؟ فأخبرته الخبر، قال: فلعل الصبي قد استيقظ فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله، فانطلقي به إليه، فأقبلت حتى بلغت درجة القوم، فنطحتها شاة لهم، فقالت: تعس أيوب الخطاء، فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ويبكي على أهله لا يقبل منهم شيئًا غيره، فقالت: ؛ - يعني: أيوب -، فدفعت إليه القرص ورجعت، ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب، فقال لها: إن زوجك قد طال سقمه، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلان، فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك، فقالت ذلك لأيوب، فقال: قد أتاك الخبيث، لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة، فخرجت تسعى عليه، فحظر عنها الرزق، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته من صبية من بنات الأشراف، فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا، فأتت به إلى أيوب، فلما رآه أنكره وقال: من أين لك هذا؟ قالت: عملت لأناس فأطعموني، فأكل منه، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد، فحلقت أيضًا قرنًا فباعته من تلك الجارية، فأعطوها أيضًا من ذلك الطعام، فأتت به أيوب فقال: والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو؟ فوضعت خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا، فعند ذلك دعا الله ﷿، فقال: ﴿نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (٢).

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا أبو عمران الجوني، عن نوف البكالي: أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له: مبسوط، قال: وكانت امرأة أيوب تقول: ادع الله فيشفيك، فجعل لا يدعو حتى مرَّ به نفر من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال: ﴿نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (٣). وحدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان لأيوب أخوان، فجاءا يومًا فلم يستطيعا أن يدنوا منه


(١) أي: رغيفًا من الخبز.
(٢) خبر السدي من الإسرائيليات.
(٣) سنده مرسل، ونوف مشهور بالرواية عن أهل الكتاب.