للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء، وفي الحديث: "يقول الله ﷿: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم" (١)، وفي [الصحيح] (٢): "إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك، فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [القمان: ١٣] " (٣).

وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)﴾ لما ذكر الظالمين ووعيدهم، ثنّى بالمتقين وحكمهم، وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون؛ أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم، قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد (٤)، فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره، والهضم: النقص.

﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)﴾.

يقول تعالى: ولما كان يوم المعاد والجزاء بالخير والشر واقعًا لا محالة، أنزلنا القرآن بشيرًا ونذيرًا بلسان عربي مبين فصيح لا لبس فيه ولا عي، ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي: يتركون المآثم والمحارم والفواحش ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ وهو إيجاد الطاعة وفعل القربات

﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ أي: تنزه وتقدس الملك الحق الذي هو حق ووعده حق، ووعيده حق ورسله حق، والجنة حق، والنار حق وكل شيء منه حق، وعدله تعالى أن لا يعذب أحدًا قبل الإنذار وبعثة الرسل، والإعذار إلى خلقه لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة.

وقوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾، كقوله تعالى في سورة ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١)﴾: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)[القيامة]، وثبت في الصحيح عن ابن عباس: أن رسول الله ، كان يعالج من الوحي شدة، فكان مما يحرك به لسانه، فأنزل الله هذه الآية (٥)؛ يعني: أنه كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية، قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه لئلا يشق عليه، فقال: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)[القيامة] أي: أن نجمعه في صدرك، ثم تقرأه على الناس


(١) عزاه الزبيدي إلى الخطيب البغدادي من حديث جابر بن عبد الله وغيره مطولًا من عدة طرق (ينظر: إتحاف السادة المتقين ١٠/ ٤٧٩).
(٢) كذا في (حم)، وفي الأصل: "الصحيحين"، والصواب المثبت؛ لأنه في صحيح مسلم دون صحيح البخاري.
(٣) أخرجه مسلم من حديث جابر الشطر الأول بنحوه الصحيح، البر والصلة، باب تحريم الظلم (ح ٢٥٧٨).
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق علي ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق ميمون بن سياه عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٥) أخرجه البخاري (الصحيح، التفسير، باب سورة القيامة (ح ٤٩٢٧)).