للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى المحشر، وهو مشيهم في سكون وخضوع، وأما الكلام الخفي فقد يكون في حال دون حال، فقد قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)[هود].

﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)﴾.

يقول تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم القيامة ﴿لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ﴾ أي: عنده ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ كقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)[النجم]، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨]، وقال: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣]، وقال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)[النبأ].

وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله ، وهو سيد ولد آدم، وأكرم الخلائق على الله ﷿ أنه قال: "آتي تحت العرش، وأخرُّ لله ساجدًا، ويُفتح عليَّ بمحامد لا أحصيها الآن، فيدعني ما شاء أن يدعني، ثم يقول: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع، واشفع تشفع، فيحد لي حدًا، فأدخلهم الجنة ثم أعود" (١) فذكر أربع مرات، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.

وفي الحديث أيضًا: "يقول تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه نصف مثقال مِن إيمان، أخرجوا مِن النار مَن كان في قلبه ما يزن ذرة، مَن كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة مِن إيمان. . ." الحديث (٢).

وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: يحيط علمًا بالخلائق كلهم ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ كقوله: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥].

وقوله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾. قال ابن عباس وغير واحد: خضعت وذلّت (٣) واستسلمت الخلائق لجبارها الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، وهو قيّم على كل شيء يدبره ويحفظه، فهو الكامل في نفسه، الذي كل شيء فقير إليه لا قوام له إلا به.

وقوله: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ أي: يوم القيامة، فإن الله سيؤدي كلَّ حقٍّ إلى صاحبه حتى


(١) أخرجاه من حديث أنس ، صحيح البخاري، الرقاق، صفة الجنة والنار (ح ٦٥٦٥)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (ح ٣٢٢).
(٢) أخرجه الشيخان بنحوه من حديث أنس ، صحيح البخاري، الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه (ح ٤٤)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ٣٢٥.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "ذلَّت".