للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤)﴾.

ثبت في [الحديث] (١): أن رسول الله سئل عن الصور، فقال: "قرن ينفخ فيه".

وقد جاء في حديث الصور من رواية أبي هريرة أنه قرن عظيم، الدائرة منه بقدر السماوات والأرض، ينفخ فيه إسرافيل وجاء في الحديث: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له" فقالوا: يا رسول الله كيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا" (٢).

وقوله: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ قيل: معناه: زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال.

﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يتسارُّون بينهم (٣)؛ أي يقول بعضهم لبعض: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾؛ أي في الدار الدنيا، لقد كان لبثكم فيها قليلًا عشرة أيام أو نحوها،

قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي: في حال تناجيهم بينهم ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أي: العاقل الكامل فيهم ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا﴾ أي: لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد؛ لأن الدنيا كلها وإن تكررت أوقاتها وتعاقبت لياليها وأيامها وساعاتها، كأنها يوم واحد، ولهذا يستقصر الكافرون مدة الحياة الدنيا يوم القيامة، وكان غرضهم في ذلك درء قيام الحجة عليهم لقصر المدة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦)[الروم]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٧]، وقال تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)[المؤمنون] أي: [إنما] (٤) كان لبثكم فيها قليلًا، لو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف، قدمتم الحاضر الفاني على الدائم الباقي.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ أي: هل تبقى يوم القيامة أو تزول؟ ﴿فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ أي: يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييرًا

﴿فَيَذَرُهَا﴾ أي: الأرض ﴿قَاعًا صَفْصَفًا﴾ أي: بساطًا واحدًا، والقاع هو: المستوي من الأرض، والصفصف تأكيد لمعنى


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "الصحيح"، وقد أثبت لفظ: الحديث؛ لأن الحديث في المسند والسنن، وليس في الصحيح.
(٢) تقدم تخريج هذه الأحاديث الثلاثة في تفسير سورة الأنعام آية ٧٣.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحفت إلى: "بما".