للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبد الله بن رجاء، أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمارة بن عبد وأبي عبد الرحمن، عن علي قال: إن موسى لما تعجل إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل، ثم صوره عجلًا، قال: فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد، فبرده بها وهو على شط نهر، فلم يشرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب، فقالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضًا (١). وهكذا قال السدي، وقد تقدم في تفسير سورة البقرة، ثم في حديث الفتون بسط ذلك.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (٩٨)﴾ يقول لهم موسى : ليس هذا إلهكم، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له، فإن كل شيء فقير إليه، عبد له.

وقوله: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ نصب على التمييز؛ أي هو عالم بكل شيء، ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢]، ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨]، فلا ﴿يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ: ٣]، ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩]، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)[هود]، والآيات في هذا كثيرة جدًا.

﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (١٠١)﴾.

يقول تعالى لنبيه محمد : كما قصصنا عليك خبر موسى وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقصُّ عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص، هذا ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا﴾ أي: من عندنا ﴿ذِكْرًا﴾، وهو: القرآن العظيم الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)[فصلت] الذي لم يعطِ نبي من الأنبياء [منذ بعثوا إلى أن ختموا] (٢) بمحمد كتابًا مثله، ولا أكمل منه، ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن، وحكم الفصل بين الناس منه.

ولهذا قال تعالى: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ أي: كذّب به وأعرض عن اتباعه أمرًا وطلبًا، وابتغى الهدى من غيره، فإن الله يضله ويهديه إلى سواء الجحيم، ولهذا قال: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠)﴾ أي: إثمًا كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم أهل الكتاب وغيرهم، كما قال: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداعٍ، فمن اتبعه هُدي ومن خالفه وأعرض عنه، ضلَّ وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة، ولهذا قال: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠) خَالِدِينَ فِيهِ﴾ أي: لا محيد لهم عنه ولا انفكاك ﴿وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ أي: بئس الحمل حملهم.


(١) أخرجه الحاكم من طريق إسرائيل به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٧٩، ٣٨٠).
(٢) زيادة من (حم) و (ح).