للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فامتلأ عند ذلك غضبًا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك، وذكرنا هناك حديث: "ليس الخبر كالمعاينة" (١)، وشرع يلوم أخاه هارون، فقال: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢)

﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ أي: فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ أي: فيما كنت قدمت إليك، وهو قوله: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢]

﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه؛ لأن ذكر الأم ههنا أرقّ وأبلغ في الحنو والعطف، ولهذا قال: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)﴾، هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم، قال: ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ أن أتبعك فأخبرك بهذا، فتقول لي: لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ أي: وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم، قال ابن عباس: وكان هارون هائبًا مطيعًا له (٢).

﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ (٩٥) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (٩٧) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (٩٨)﴾.

يقول موسى للسامري: ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟.

قال محمد بن إسحاق، عن [حكيم بن جبير] (٣)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان السامري رجلًا من أهل باجرما (٤)، وكان من قوم يعبدون البقر، وكان حب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل، وكان اسمه موسى بن ظفر (٥).

وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان من كرمان. وقال قتادة: كان من قرية سامرا (٦)

﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ أي: رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ أي: من أثر فرسه، وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، أخبرني عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عن أُبي بن عمارة، عن علي قال: إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء، بصر به السامري من بين الناس، فقبض قبضة من أثر الفرس، قال:


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ١٥٠.
(٢) أخرجه الطبري بالسند المتقدم والتالي.
(٣) كذا في تفسير الطبري، وفي الأصل و (ح) و (حم) صُحف إلى: "حكيم بن جرير"، وحكيم بن جبير ترجم له الحافظ ابن حجر وضعفه (التقريب ١٧٦).
(٤) باجرما: قرية من أعمال البليخ قرب الرقة في أرض الجزيرة (معجم البلدان ١/ ٤٥٤)، والرقة بلدة معروفة في سوريا.
(٥) أخرجه الطبري من طريق ابن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق به، وتقدم تضعيف سنده، والرواية من الإسرائيليات (تفسير الطبري ١/ ٦٧٢، تفسير سورة البقرة، آية ٥١).
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: "من قبيلة"، وليس "قرية".