للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد: ﴿غَضْبَانَ أَسِفًا﴾؛ أي جزعًا (١).

وقال قتادة والسدي: ﴿أَسِفًا﴾ حزينًا على ما صنع قومه من بعده (٢) ﴿قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ أي: أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ﴾ أي: في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم، ﴿أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أم ههنا بمعنى بل، وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني، كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحلَّ عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي،

قالوا - أي بنو إسرائيل - في جواب ما أنّبهم موسى وقرّعهم: ﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ أي: عن قدرتنا واختيارنا، ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر، ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾؛ أي ألقيناها عنا.

وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار.

وفي رواية السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس، إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفرة، ويجعل حجرًا واحدًا، حتى إذا رجع موسى ، رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وسأل هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته، فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له، فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلًا، فكان عجلًا له خوار؛ أي صوت استدراجًا، وإمهالًا ومحنة واختبارًا، ولهذا قال: ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧)

﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ (٣).

وقال ابن أبي حاتم: [حدثنا محمد بن عبادة بن البختري] (٤)، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل، فقال له: ما تصنع؟ فقال: أصنع ما يضرُّ ولا ينفع، فقال هارون: اللهم اعطه ما سأل على ما في نفسه، ومضى هارون. وقال السامري: اللهم إني أسألك أن يخور فخار، فكان إذا خار سجدوا له، وإذا خار رفعوا رؤوسهم (٥). ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال: أعمل ما ينفع ولا يضر.

وقال السدي: كان يخور ويمشي (٦). ﴿فَقَالُوا﴾ - أي الضّلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه -: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ أي: نسيه ههنا وذهب يتطلبه، كذا تقدم في حديث


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٣) سنده حسن، والرواية من الإسرائيليات.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "محمد بن عباد النحوي".
(٥) سنده حسن، والرواية من الإسرائيليات.
(٦) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.