للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي ثم لم يَشكُك (١).

وقال سعيد بن جبير: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أي: استقام على السنة والجماعة وروي نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف.

وقال قتادة: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أي: لزم الإسلام حتى يموت (٢).

وقال سفيان الثوري: ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أي: علم أن لهذا ثوابًا، و"ثم" ههنا لترتيب الخبر على الخبر، كقوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)[البلد].

﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (٨٣) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (٨٤) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩)﴾.

لما سار موسى ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)[الأعراف] وواعده ربه ثلاثين ليلة، ثم أتبعها عشرًا، فتمت أربعين ليلة؛ أي يصومها ليلًا ونهارًا، وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك، فسارع موسى مبادرًا إلى الطور، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (٨٣) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي﴾ أي: قادمون ينزلون قريبًا من الطور ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ أي: لتزداد عني رضا

﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)﴾ أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.

وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضًا، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (١٤٥)[الأعراف] أي: عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.

وقوله: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ أي: بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وفيها شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله، ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم، ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفًا، والأسف: شدة الغضب.


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.