للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء: كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سجّدًا لله، وقالوا: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)[الأعراف] ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة (١).

وقال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفًا، وقال القاسم بن أبي بزة: كانوا سبعين ألفًا، وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفًا، وقال الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة: كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفًا، وقال محمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفًا، وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفًا (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن علي بن حمزة، حدثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلًا، أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء (٣).

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح بمكة، حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي: لما خرَّ السحرة سجدًا، رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها (٤).

قال: وذُكر عن سعيد بن سلام، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قوله: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ قال: رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم (٥)، وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة.

﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم، وغلب كل الغلب، شرع في المكابرة والبهت، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة، فتهددهم [وتوعدهم] (٦) وقال: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ﴾ أي: صدقتموه ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ أي: ما أمرتكم بذلك وافتتم علي في ذلك، وقال قولًا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بُهت وكذب ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ أي: أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى


(١) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن، كما سيأتي في تفسير هذه الآية.
(٢) هذه الأقوال كلها من أخبار بني إسرائيل، وقد أخرج الطبري قول القاسم بن أبي بزة وقول السدي بأسانيد ثابتة، ورواية الثوري صحيحة الإسناد وإن تكلم في أبي ثمامة فلا يضر؛ لأنه يفسر ولم يرو.
(٣) سنده حسن، ولكن تعيين العدد من الإسرائيليات.
(٤) سنده مرسل.
(٥) سنده ضعيف لأن روايته معلقة.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "أوعدهم".