للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ أي: اجتمعوا كلكم صفًا واحدًا، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة لتبهروا الأبصار، وتغلبوا هذا وأخاه ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ أي: منا ومنه، أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل، وأما هو فينال الرياسة العظيمة.

﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى ، أنهم قالوا لموسى: ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ﴾ أي: أنت أولًا ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥)

﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ أي: أنتم أولًا لنرى ماذا تصنعون من السحر، وليظهر للناس جلية أمرهم ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤] وقال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦] وقال ههنا: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كان حيلة، وكانوا جمًا غفيرًا وجمعًا كثيرًا، فألقى كل منهم عصًا وحبلًا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا.

وقوله: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧)﴾ أي: خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألقِ ما في يمينك يعني عصاك، فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنينًا عظيمًا هائلًا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس (١)، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئًا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانًا جهرة نهارًا ضحوة، فقامت المعجزة واتضح البرهان، ووقع الحق وبطل السحر، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى الشيباني، حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن معاذ - أحسبه الصائغ - عن الحسن، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله : "إذا أخذتم - يعني الساحر - فاقتلوه، ثم قرأ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قال: لا يؤمن به حيث وجد" وقد روى أصله الترمذي موقوفًا ومرفوعًا (٢).


(١) هذا الخبر من الإسرائيليات.
(٢) أخرجه الترمذي من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن به، ثم قال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث .. والصحيح عن جندب موقوف (السنن، الحدود، باب ما جاء في حد الساحر، ح ١٤٦٠)، وفي سنده أيضًا الحسن لم يسمع من جندب البجلي (المراسيل لابن أبي حاتم ص ٤٢). ونبه الحافظ المزي أن هذا الحديث من مسند جندب الخير الأزدي لا من مسند جندب بن عبد الله البجلي (تحفة الأشراف ٢/ ٤٤٦)، وتبقى العلة قائمة لضعف إسماعيل بن مسلم، وعنعنة الحسن البصري، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (ح ٢٤٤)، ولشطره الأول شواهد في الصحيح صريحة في قتل الساحر.