للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رعيتي لتظهروه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٣] ثم أخذ يتهددهم فقال: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ أي: لأجعلنكم مثلة، ولأقتلنكم ولأشهرنكم.

قال ابن عباس: فكان أول من فعل ذلك، رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ أي: أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى، فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه، فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم، هانت عليهم أنفسهم في الله ﷿

و ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ أي: لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين، ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ يحتمل أن يكون قسمًا، ويحتمل أن يكون معطوفًا على "البينات"؛ يعنون: لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ أي: فافعل ما شئت، وما وصلت إليه يدك، ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي: إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال، ونحن قد رغبنا في دار القرار ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ أي: ما كان منا من الآثام خصوصًا ما أكرهتنا عليه من الحسر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ قال: أخذ فرعون أربعين غلامًا من بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء، وقال: علموهم تعليمًا لا يعلمه أحد في الأرض، قال ابن عباس: فهم من الذين آمنوا بموسى وهم من الذين قالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ (١)، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٢).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أي: خير لنا منك ﴿وَأَبْقَى﴾ أي: أدوم ثوابًا مما كنت وعدتنا ومنيتنا (٣). وهو رواية عن ابن إسحاق .

وقال محمد بن كعب القرظي ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ﴾ أي: لنا منك إن أُطيع ﴿وَأَبْقَى﴾ أي: منك عذابًا، إن عُصي (٤). وروي نحوه عن ابن إسحاق أيضًا. والظاهر أن فرعون - لعنه الله - صمم على ذلك، وفعله بهم رحمة لهم من الله، ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.

﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)﴾.

الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون، يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي، ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد، فقالوا: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ أي:


(١) أخرجه الطبري من طريق نعيم بن حماد به، وسنده ضعيف لضعف أبي سعيد، وهو البقال.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن، والخبر من الإسرائيليات.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن إسحاق بنحوه.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف، وفيه أبو معشر، وهو السندي: ضعيف.