للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تحدث به نفسك بعد (١).

وقال سعيد بن جبير: أنت تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدًا، والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غدًا (٢).

وقال مجاهد: ﴿وَأَخْفَى﴾ يعني: الوسوسة (٣).

وقال أيضًا هو وسعيد بن جبير: ﴿وَأَخْفَى﴾ أي: ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه.

وقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (٨)﴾ أي: الذي أنزل عليك القرآن، هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف، ولله الحمد والمنة.

﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)﴾.

من ههنا شرع في ذكر قصة موسى، وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه، وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، وسار بأهله قيل: قاصدًا بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته، فأضلَّ الطريق وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلًا بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزند معه ليوري نارًا كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئًا ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارًا؛ أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ أي: شهاب من نار. وفي الآية الأخرى ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [القصص: ٢٩] وهي الجمر الذي معه لهب ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل: ٧] دلَّ على وجود البرد.

وقوله: ﴿بِقَبَسٍ﴾ دلَّ على وجود الظلام.

وقوله: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ أي: من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق، كما قال الثوري، عن أبي سعيد الأعور، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ قال: من يهديني إلى الطريق، وكانوا شاتين وضلوا الطريق، فلما رأى النار قال: إن لم أجد أحدًا يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها (٤).

﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)﴾.

يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا﴾ أي: النار، واقترب منها ﴿نُودِيَ يَامُوسَى﴾ وفي الآية الأخرى


(١) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك.
(٢) أخرجه الطبري من عدة طرق يقوي بعضها بعضًا عن سعيد بن جبير.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري من طريق الثوري به وسنده ضعيف لضعف أبي سعيد الأعور.