للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا أبو موسى الهروي، عن العباس بن الفضل قال: قلت: ابن الفضل الأنصاري؟ قال: نعم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: كنت مع رسول الله في غزوة تبوك، فأقبلنا راجعين في حرٍّ شديد، فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين، قال: وكنت في أول العسكر إذ عارضنا رجل فسلَّم، ثم قال: أيكم محمد؟ ومضى أصحابي ووقفت معه، فإذا رسول الله قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوبه على رأسه من الشمس، فقلت: أيها السائل هذا رسول الله قد أتاك، فقال: أيهم هو؟ فقلت: صاحب البكر الأحمر، فدنا منه فأخذ بخطام راحلته، فكفَّ عليه رسول الله فقال: أنت محمد؟ قال: "نعم". قال: إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهنَّ أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان؟ فقال: رسول الله : "سل عما شئت" قال: يا محمد أينام النبي؟ فقال رسول الله : "تنام عيناه ولا ينام قلبه" قال: صدقت. ثم قال: يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله : "ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد" فقال: صدقت، فقال: ما للرجل من الولد، وما للمرأة منه؟ فقال: "للرجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللحم والدم والشعر" قال: صدقت، ثم قال: يا محمد ما تحت هذه؟ - يعني: الأرض - فقال رسول الله : "خلق" فقال: فما تحتهم؟ قال: "أرض". قال: فما تحت الأرض؟ قال: "الماء". قال: فما تحت الماء؟ قال: "ظلمة". قال: فما تحت الظلمة؟ قال: "الهواء". قال: فما تحت الهواء؟ قال: "الثرى". قال: فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله بالبكاء، وقال: "انقطع علم الخلق عند علم الخالق، أيها السائل ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فقال: صدقت، أشهد أنك رسول الله، فقال رسول الله : "أيها الناس هل تدرون من هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا جبريل " (١). هذا حديث غريب جدًا، وسياق عجيب، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا، وقد قال فيه يحيى بن معين: ليس يساوي شيئًا، وضعفه أبو حاتم الرازي، وقال ابن عدي: لا يعرف. قلت: وقد خلط في هذا الحديث، ودخل عليه شيء في شيء وحديث في حديث، وقد يحتمل أنه تعمد ذلك أو أدخل عليه فيه، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)﴾ أي: أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلى الذي يعلم السر وأخفى، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)[الفرقان].

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه ﴿وَأَخْفَى﴾ ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه، فالله يعلم ذلك كله، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة، وهو قوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] (٢).

وقال الضحاك: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قال: ﴿السِّرَّ﴾ ما تحدث به نفسك، ﴿وَأَخْفَى﴾ ما لم


= الذهبي لضعف عبد الله بن عياش، ودراج وهو كثير المناكير (المستدرك ٤/ ٥٩٤).
(١) سنده ضعيف لضعف القاسم بن عبد الرحمن، كما في ميزان الاعتدال، وضعفه الحافظ ابن كثير.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.