للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد روى مكحول أن رجلًا من المشركين سمع النبي وهو يقول في سجوده: "يا رحمن يا رحيم" فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحدًا وهو يدعو اثنين، فأنزل الله هذه الآية (١)، وكذا روي عن ابن عباس (٢)، رواهما ابن جرير.

وقوله: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾ الآية قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله متوارٍ بمكة، ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبُّوا القرآن وسبُّوا من أنزله ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه : ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾ أي: بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ (٣). أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به (٤)، وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس، وزاد: فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أي ذلك شاء (٥).

وقال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبَوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقًا منهم، فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع، فإن خفض صوته لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئًا، فأنزل الله ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾ فيتفرقوا عنك ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به، ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ (٦). وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة: نزلت هذه الآية في القراءة في الصلاة (٧).

وقال شعبة، عن [الأشعث بن سليم] (٨) عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود لم يخافت بها من أسمع أذنيه (٩).

قال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية، عن سلمى بن علقمة، عن محمد بن سيرين


(١) أخرجه الطبري من طريق الأوزاعي عن مكحول وسنده مرسل.
(٢) أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن واقد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وسنده ضعيف جدًا لأن عبد الله بن واقد متروك (التقريب ص ٣٢٨).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٣) وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [الإسراء: ١١٠] (ح ٤٧٢٢)، وصحيح مسلم، الصلاة، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية (ح ٤٤٦).
(٥) أخرجه الطبري بسند فيه بشر بن عمارة وهو ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(٦) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وداود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما في التقريب.
(٧) قول عكرمة تقدم في الرواية السابقة، وقول الحسن البصري أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٨) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "أبي سليم".
(٩) أخرجه الطبري عن شيخه مطر بن محمد ولم يتبين لي من هو لأنه ورد ثلاثة شيوخ بهذا الاسم.