للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عباس أيضًا أنه قرأ: فرقناه بالشديد (١)، أي: أنزلناه آية آية مبينًا ومفسرًا، ولهذا قال: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: لتبلغه الناس وتتلوه عليهم، أي: ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ أي: مهل ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ أي: شيئًا بعد شيء.

﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)﴾.

يقول تعالى لنبيه : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم ﴿آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا﴾ أي: سواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ولهذا قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ هذا القرآن ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن وهو أسفل الوجه ﴿سُجَّدًا﴾ أي: لله ﷿ شكرًا على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلًا أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب، ولهذا يقولون: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ أي: تعظيمًا وتوقيرًا على قدرته التامة وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد ولهذا قالوا: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾.

وقوله: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ أي: خضوعًا لله ﷿ وإيمانًا وتصديقًا بكتابه ورسوله ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ أي: إيمانًا وتسليمًا، كما قال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)[محمد]. وقوله: ﴿وَيَخِرُّونَ﴾ عطف صفة على صفة لا عطف السجود على السجود، كما قال الشاعر:

إلى الملك القَرْم وابن الهُمام … وليث الكتيبة في المزدحم

﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله ﷿، المانعين من تسميته بالرحمن ﴿ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي: لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن، فإنه ذو الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢)﴾ إلى أن قال: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٢ - ٢٤].


= ٢/ ٣٦٨)، والبيهقي (دلائل النبوة ٧/ ١٣١)، كلهم من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، ووافقهما الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٩/ ٤).
وأصله في صحيح البخاري من طريق هشام عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه (الصحيح، مناقب الأنصار، باب مبعث النبي ح ٣٨٥١).
(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف. والقراءة شاذة تفسيرية.