للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على فرعون وقومه، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله، وليس المراد منها كما ورد في الحديث، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه؛ وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟ وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة؛ فإن له بعض ما ينكر، والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات فحصل وهم في ذلك، والله أعلم.

وقوله: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي: يخليهم منها ويزيلهم عنها، ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ﴾ وفي هذا بشارة لمحمد بفتح مكة مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة، وكذلك فإن أهل مكة همُّوا بإخراج الرسول منها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)[الإسراء]، ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة على أشهر القولين، وقهر أهلها ثم أطلقهم حلمًا وكرمًا، كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم، كما قال: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)[الشعراء] وقال ههنا: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)﴾ أي: جميعكم أنتم وعدوكم.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: لفيفًا أي: جميعًا (١).

﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز وهو القرآن المجيد أنه بالحق نزل، أي: متضمنًا للحق، كما قال تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء: ١٦٦] أي: متضمنًا علم الله الذي أراد أن يطلعكم عليه من أحكامه وأمره ونهيه. وقوله: ﴿وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ أي: وصل إليك يا محمد محفوظًا محروسًا لم يشب بغيره ولا زيد فيه ولا نقص منه، بل وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القوى الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى.

وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ أي: يا محمد ﴿إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ مبشرًا لمن أطاعك من المؤمنين ونذيرًا لمن عصاك من الكافرين.

وقوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾ أما قراءة من قرأ بالتخفيف فمعناه: فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفرقًا منجمًا على الوقائع إلى رسول الله في ثلاث وعشرين سنة، قاله عكرمة عن ابن عباس (٢).


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه ومعناه صحيح ويتقوى بالآثار التالية: فقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري.
(٢) أخرجه الطبري والنسائي (السنن الكبرى، التفسير، باب سورة الفرقان ح ١١٣٧٢)، والحاكم (المستدرك =