للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقل له نبي، فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين، فسألاه، فقال النبي : "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة - أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك - وأنتم يا يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت" فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي. قال: "فما يمنعكما أن تتبعاني؟ " قالا: لأن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود (١).

فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج به، وقال الترمذي: حسن صحيح (٢). وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون، والله أعلم، ولهذا قال موسى لفرعون ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ أي: حججًا وأدلة على صدق ما جئتك به ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ أي: هالكًا، قاله مجاهد وقتادة (٣)، وقال ابن عباس: ملعونًا (٤)، وقال أيضًا هو والضحاك ﴿مَثْبُورًا﴾ أي: مغلوبًا (٥)، والهالك كما قال مجاهد يشمل هذا كله، قال الشاعر عبد الله بن الزبعري:

إذ [أُجاري] (٦) الشيطان في سنن الغـ … ــيِّ ومَن مال ميله مثبور (٧)

وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله: علمتُ (٨)، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)[النمل].

فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، التي فيها حجج وبراهين


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده بنحوه (المسند ٣٠/ ١٢، ١٣ ح ١٨٠٩٢) وقال محققوه: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن سَلِمَةَ المرادي. اهـ. وأيضًا فإن رواية عمرو بن مرة عنه بعدما كبر وتغير حفظه.
(٢) سنن الترمذي، الاستئذان، باب ما جاء في قبلة اليد والرجل (ح ٢٧٣٣)، وسنن النسائي، تحريم الدم، باب السحر ٧/ ١١١، وسنن ابن ماجه، الأدب، باب الرجل يقبل يد الرجل (ح ٣٧٠٥)، وتفسير الطبري، وسنده ضعيف كسابقه.
(٣) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري.
(٦) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل صُحف إلى: "أجارمى".
(٧) استشهد به الطبري وابن هشام ٢/ ٤١٩.
(٨) وهي قراءة متواترة.