للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)[يس]. وقال ههنا: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ أي: يوم القيامة يعيد أبدانهم وينشئهم نشأة أخرى كما بدأهم.

وقوله: ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: جعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلًا مضروبًا ومدة مقدرة لا بدّ من انقضائها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)[هود].

وقوله: ﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ﴾ أي: بعد قيام الحجة عليهم ﴿إِلَّا كُفُورًا﴾ إلا تماديًا في باطلهم وضلالهم.

﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (١٠٠)﴾.

يقول تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه: قل لهم يا محمد لو أنكم أيها الناس تملكون التصرف في خزائن الله لأمسكتم خشية الإنفاق، قال ابن عباس وقتادة: أي الفقر (١)، خشية أن تذهبوها مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدًا؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم، ولهذا قال: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ قال ابن عباس وقتادة: أي بخيلًا منوعًا (٢)، وقال الله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)[النساء] أي: لو أن لهم نصيبًا في ملك الله لما أعطوا أحدًا شيئًا ولا مقدار نقير، والله تعالى يصف الإنسان من حيث هو إلا من وفقه الله وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)[المعارج] ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، ويدل هذا على كرمه وجوده وإحسانه، وقد جاء في الصحيحين: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه" (٣).

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (١٠١) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)﴾.

يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون، وهي: العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عنه، وابن جريج لم يسمع من ابن عباس، ومعناه صحيح، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: "خشية الفاقة".
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "بخيلًا"، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر بلفظ: "خشية الفاقة".
(٣) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة صحيح البخاري، التفسير، باب (وكان عرشه على الماء ح ٤٦٨٤، وصحيح مسلم، الزكاة، باب الحث على النفقة … ح ٩٣٣).