للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد أيضًا: [حدثنا يزيد] (١)، حدثنا الوليد بن جميع القرشي عن أبيه، حدثنا أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد قال: قام أبو ذرّ فقال: يا بني غفار، قولوا ولا تحلفوا، فإن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار، فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: "يلقي الله ﷿ الآفة (٢) على الظهر حتى لا يبقى ظهر، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة فيعطيها بالشارف ذات القتب (٣) فلا يقدر عليها" (٤).

وقوله: ﴿عُمْيًا﴾ أي: لا يبصرون، ﴿وَبُكْمًا﴾ يعني: لا ينطقون، ﴿وَصُمًّا﴾ لا يسمعون، وهذا لا يكون في حال دون حال جزاء لهم كما كانوا في الدنيا بكمًا وعميًا وصمًا عن الحق، فجوزوا في محشرهم بذلك أحوج ما يحتاجون إليه ﴿مَأْوَاهُمْ﴾ أي: منقلبهم ومصيرهم ﴿جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ﴾.

قال ابن عباس: سكنت (٥).

وقال مجاهد: طفئت (٦).

﴿زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ أي: لهبًا ووهجًا وجمرًا، كما قال: ﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)[النبأ].

﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (٩٩)﴾.

يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم به من البعث على العمي والبكم والصمم جزاؤهم الذي يستحقونه؛ لأنهم كذبوا ﴿بِآيَاتِنَا﴾ أي: بأدلتنا وحجتنا، واستبعدوا وقوع البعث ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا﴾ أي: بالية نخرة ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ أي: بعد ما صرنا إليه من البلى والهلاك والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية؟ فاحتج تعالى عليهم ونبههم على قدرته على ذلك بأنه خلق السماوات والأرض، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك، كما قال: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)[الأحقاف] وقال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ


(١) زيادة من المسند كما في التخريج.
(٢) أي: آفة الموت.
(٣) الشارف: الناقة المُسنة، والقتب للبعير شبه الرحل.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وقال محققوه: إسناده قوي (المسند ٣٥/ ٣٦٠، ٣٦١ ح ٢١٤٥٦). قال الحافظ ابن حجر: أي يشتري الناقة المسنة لأجل كونها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه، وعزّه الظهر الذي يوصله إلى مقصوده. (فتح الباري ١١/ ٣٨١).
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٦) أخرجه آدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.