للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم نبَّه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا، فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له؟ وقد روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في نفر من اليهود جاؤوا رسول الله فقالوا له: إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به، فأنزل الله هذه الآية (١)، وفي هذا نظر؛ لأن هذه السورة مكية وسياقها كله مع قريش، واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة، فالله أعلم.

وقوله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ﴾ الآية، أي بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحق وشرحناه وبسطناه، ومع هذا ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾؛ أي: جحودًا للحق وردًا للصواب.

﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣)﴾.

قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين (٢) سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلًا من بني عبد الدار (٣)، وأبا البختري أخا بني أسد (٤)، والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أُمية، وأُمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيهًا ومُنبهًا ابني الحجاج السهميين، اجتمعوا أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه (٥)، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم رسول الله سريعًا وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء (٦)، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم (٧) حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك


= ابن مسعود . وقد توبع فأخرجه الحاكم من طريق شداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود بنحوه (المستدرك ٤/ ٥٠٤) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة. (مجمع الزوائد ٧/ ٥٤)، وأخرجه الدارمي بسند صحيح من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود بنحوه (السنن ح ٢٣٤٦).
(١) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده حسن فصلتُ حكمه في مقدمة التفسير الصحيح. وذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ٥٧٠).
(٢) وقد صرح الحافظ ابن كثير أنه محمد بن أبي محمد المذكور في الرواية السابقة.
(٣) هو النضر بن الحارث بن كلدة، صرح بذلك ابن هشام في السيرة.
(٤) هو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، (الكامل في التاريخ ٢/ ٥٠).
(٥) أي: حتى تقدموا العذر فيه فلا تلامون على النتائج بعد لقائكم هذا.
(٦) أي: ظهر لهم ما لم يكن ظهر أولًا.
(٧) العنت: ما يشق على الإنسان فعله.