للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حافة السفينة فنقر في البحر نقرة، أي شرب منه بمنقاره، فقال: يا موسى ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر (١)، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

وقال السهيلي: قال بعض الناس لم يجبهم عما سألوا، لأنهم سألوا على وجه التعنت، وقيل: أجابهم. وعوَّل السهيلي على أن المراد بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي: من شرعه، أي فادخلوا فيه وقد علمتم ذلك؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة، وإنما ينال من جهة الشرع، وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر، والله أعلم (٢).

ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء، كما أن الماء هو حياة الشجر ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطارًا أو خمرًا، ولا يقال له ماء حينئذٍ إلا على سبيل المجاز، وكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو، وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه.

فحاصل ما نقول: أن الروح هي أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن، فهي هي من وجه لا من كل وجه (٣).

وهذا معنى حسن، والله أعلم.

قلت: وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها، وصنفوا في ذلك كتبًا، ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده في كتاب سمعناه في الروح (٤).

﴿ولَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٨٩)﴾.

يذكر تعالى نعمته وفضله العظيم على عبده ورسوله الكريم فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

قال ابن مسعود : يطرق الناس ريح حمراء، يعني في آخر الزمان من قبل الشام، فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية، ثم قرأ ابن مسعود: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ الآية (٥).


(١) ستأتي هذه القصة في الصحيح في تفسير سورة الكهف آية ٦٠ - ٦٥.
(٢) الروض الآنف ١/ ١٩٨، ١٩٩.
(٣) المصدر السابق.
(٤) أفاد منه ابن قيم في كتابه الروح.
(٥) أخرجه الطبري من طريق المسيب بن رفع عن ابن مسعود، وسنده منقطع لأن المسيب لم يسمع من =