لنعذر فيك، وإنا والله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعِبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرَّقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيًا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمعون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال رسول الله ﷺ:"ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا وأنزل علي كتابًا وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" أو كما قال رسول الله ﷺ تسليمًا.
فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلادًا ولا أقل مالًا، ولا أشد عيشًا منا، فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا وليفجر فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولًا كما تقول.
فقال لهم رسول الله ﷺ:"ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث ملكًا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنات وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، ويغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما تزعم.
فقال لهم ﷺ:"ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل.
فقال لهم رسول الله ﷺ:"ذلك إلى الله، إن شاء فعل بكم ذلك" فقالوا: يا محمد أما علم ربك أنَّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب، فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد