للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)(١) [الكهف].

وقد روى ابن جرير عن محمد بن المثنى، عن [ابن عبد الأعلى] (٢)، عن داود، عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله عن الروح، فأنزل الله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية، فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلًا، وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] قال: فنزلت: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ الآية [لقمان: ٢٧]، قال: ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل (٣).

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ فلما هاجر رسول الله إلى المدينة أتاه أحبار يهود وقالوا: يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ فقال: "كُلًّا قد عنيت". فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله : "هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم"، وأنزل الله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)[لقمان] (٤).

وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا على أقوال:

(أحدها): أن المراد أرواح بني آدم.

وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية، وذلك أن اليهود قالوا للنبي : أخبرنا عن الروح وكيف تعذب الروح التي في الجسد، وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء، فلم يحر إليهم شيئًا، فأتاه جبريل فقال له: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ فأخبرهم النبي بذلك، فقالوا: من جاءك بهذا؟ قال: جاءني به جبريل من عند الله، فقالوا له: والله ما قاله لك إلا عدونا، فأنزل الله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [البقرة: ٩٧] (٥).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ١٥٥ ح ٢٣٠٩)، وصحح سنده محققوه. ولكن فيه داود وهو ابن أبي هند ثقة ثبت كان يهم بآخره (التقريب ص ٢٠٠) قال الآجري عن أبي داود: خولف في غير حديث وقال لا ثرم عن الإمام أحمد: كان كثير الاضطراب والاختلاف (تهذيب التهذيب ٣/ ٢٠٤)، واخشى أن يكون من أوهامه في ذكر ابن عباس لأنه قد رواه عن عكرمة مرسلًا دون ذكر ابن عباس كما يلي في رواية الطبري. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح (فتح الباري ٨/ ٤٠١)، وقد استبعد ابن قيم التعدد فقال: ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة لم يسكت النبي ، ولبادر إلى جوابهم بما تقدم من إعلام الله له وما أنزله عليه (الروح ص ٢٠٥).
(٢) كذا في تفسير الطبري، وفي النسخ الخطية والمطبوعة: عبد الأعلى.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل.
(٤) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لإبهام شيخ ابن إسحاق.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويشهد لشطره الأول ما تقدم في الرواية السابقة في =