للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: على نيته (١).

وقال ابن زيد: دينه (٢)، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وهذه الآية - والله أعلم - تهديد للمشركين ووعيد لهم، كقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)﴾ الآية [هود]، ولهذا قال: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤)﴾ أي: منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله فإنه لا يخفى عليه خافية.

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: كنت أمشي مع رسول الله في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب، فمرَّ بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح، فقالوا: يا محمد ما الروح؟ فما زال متوكئًا على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾ قال: فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه (٣). وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به (٤).

ولفظ البخاري عند تفسيره هذه الآية عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا أمشي مع النبي في حرث وهو متوكئ على عسيب، إذ مرَّ اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه، وقال بعضهم: لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه. فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي ، فلم يرد عليهم شيئًا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ الآية (٥).

وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية، وأنه نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو نزل عليه الوحي بأن يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه، فنزلت: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾ قالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، من أوتي التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، قال: وأنزل الله:


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: "على ما ينوي".
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤٤٤) وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، العلم، باب قول الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] (ح ١٢٥)، وصحيح مسلم، صفات المنافقين، باب سؤال اليهود النبي عن الروح (ح ٢٧٩٤).
(٥) صحيح البخاري، التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل (ح ٤٧٢١).