للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهي تقول: مذممًا أتينا -أو أبينا- قال أبو موسى: الشك مني، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: "إنها لن تراني" وقرأ قرآنًا اعتصم به منها ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)﴾ قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبي فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجاني، قال أبو بكر: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها (١).

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ وهي جمع كنان الذي يغشى القلب ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ أي: لئلا يفهموا القرآن ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ وهو الثقل الذي منعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم ويهتدون به. وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾ أي: إذا وحدت الله في تلاوتك، وقلت لا إله إلا الله، ﴿وَلَّوْا﴾ أي: أدبروا راجعين ﴿عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ ونفور جمع نافر، وكقعود جمع قاعد، ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل، والله أعلم. كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)[الزمر]، قال قتادة في قوله: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾، إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم وضاقها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها [فلج] (٢)، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها (٣).

(قول آخر في الآية):

روى ابن جرير: حدثني الحسين بن محمد [الذارع] (٤)، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، وحدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ هم الشياطين (٥).

وهذا غريب جدًا في تفسيرها، وإلا فالشياطين إذا قرئ القرآن أو نودي بالأذان أو ذكر الله انصرفوا.

﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)﴾.

يخبر تعالى نبيه بما يتناجى به رؤساء قريش حين جاؤوا يستمعون قراءته سرًا من


(١) أخرجه الحاكم من طريق بشر بن موسى الحميدي عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٦٢)، ونسبه الحافظ ابن حجر إلى البزار وحسنه (فتح الباري ٨/ ٧٣٨)، ونقل الهيثمي تحسين البزار له ثم قال: ولكن فيه عطاء بن السائب وقد اختلط. (مجمع الزوائد ٧/ ١٤٤) ولكن يبدو رواية الراوي عن عطاء قبل الاختلاط أو أنه متابع كما في رواية أبي يعلى والحاكم.
(٢) كذا في تفسير الطبري، وفي الأصل: "فلح والمعنى متقارب".
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) كذا في (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل: و (ح) صُحِّف إلى: "الزارع".
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًا فيه روح بن المسيب الكلبي متهم بالوضع (لسان الميزان ٢/ ٤٦٨).