للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصحيحين (١)، قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء: إنما قال ما لم ييبسا لأنهما يسبحان مادام فيهما خضرة، فإذا يبسا انقطع تسبيحهما، والله أعلم.

وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ أي: لا يعاجل من عصاه بالعقوبة بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر، كما جاء في الصحيحين: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ رسول الله : ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)(٢) [هود].

وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)[الحج]، ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان، ورجع إلى الله تاب إليه وتاب عليه، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠)[النساء]، وقال ههنا: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ كما قال في آخر فاطر ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)﴾ إلى أن قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)[فاطر].

﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)﴾.

يقول تعالى لرسوله محمد : وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن، جعلنا بينك وبينهم حجابًا مستورًا.

قال قتادة وابن زيد: هو الأكنة على قلوبهم (٣)، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت: ٥] أي: مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء. وقوله: ﴿حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ بمعنى: ساتر كميمون ومشؤوم بمعنى: يا من وشائم؛ لأنه من يمنهم وشؤمهم، وقيل: مستورًا عن الأبصار فلا تراه وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى، ومال إلى ترجيحه ابن جرير (٤).

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم، حدثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها- قالت: لما نزلت: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ [المسد: ١] جاءت العوراء أُم جميل ولها ولولة (٥) وفي يدها فهر (٦)


(١) صحيح البخاري، الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله (ح ٢١٦)، وصحيح مسلم، الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول (ح ٢٩٢).
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة هود آية ١٠٢.
(٣) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه.
(٤) ذكره الطبري.
(٥) الولولة: البلبلة والدعاء بالويل.
(٦) الفهر: الحجر مليء الكف.