قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت المعراج الذي كانت تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحًا إلى السماء، فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عُجْبُهُ بالمعراج، قال: فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل وهو صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنوده مائة ألف ملك، قال: قال الله ﷿: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] قال: فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوَقد بعث إليه؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله ﷿ على صورته، فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته من المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين، فمضيت هنيهة فإذا أنا بأخونة (١) عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد، وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام، قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر فيقول: اللهم لا تقم الساعة. قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطؤهم، قال: فسمعتهم يضجون إلى الله، قال: قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥].
قال: ثم مضيت هنية فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، قال: فتفتح أفواههم فيلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجُّون إلى الله ﷿ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمتك ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بنساء تعلقن بثديهن، فسمعتهنَّ يضججنَّ إلى الله ﷿، قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أُمتك. قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون.
قال: ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله ﷿ قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه فرد عليّ.
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة، واستفتح فإذا أنا بيحيى وعيسى ﵉، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ، ثم صعدنا إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانًا عليًا، فسلمت عليه فسلم عليّ.
قال: ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ.