للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)﴾.

أصحاب الحجر هم ثمود الذين كذبوا صالحًا نبيهم ، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين، ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين،

وذكر تعالى أنه أتاهم من الآيات ما يدلهم على صدق ما جاءهم به صالح كالناقة التي أخرجها الله لهم بدعاء صالح من صخرة صماء، وكانت تسرح في بلادهم لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، فلما عَتوا وعقروها قال لهم: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].

وذكر تعالى أنهم ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢)﴾ أي: من غير خوف ولا احتياج إليها بل أشرًا وبطرًا وعبثًا كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر الذي مرّ به رسول الله وهو ذاهب إلى تبوك، فقنع رأسه وأسرع دابته، وقال لأصحابه: "لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تبكو فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم" (١).

وقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣)﴾ أي: وقت الصباح من اليوم الرابع

﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)﴾ أي: ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا بمائها عن الناقة حتى عقروها لئلا تضيق عليهم في المياه، فما دفعت عنهم تلك الأموال ولا نفعتهم لما جاء أمر ربك.

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ أي: بالعدل ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)[ص]، وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)[المؤمنون].

ثم أخبر نبيه بقيام الساعة وأنها كائنة لا محالة، ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين في أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به، كقوله: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)[الزخرف].

وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: كان هذا قبل القتال (٢)، وهو كما قالا، فإن هذه مكية والقتال إنما شرع بعد الهجرة.

وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)﴾ تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض،


(١) أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر بنحوه تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ٧٣.
(٢) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جابر وهو الجعفي: وهو ضعيف، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، لكنه مرسل.