للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْأَرْضِ﴾ أي: أحبب إليهم المعاصي وأرغبهم فيها وأؤزهم إليها، وأزعجهم إليها إزعاجًا ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي: كما أغويتني وقدرت عليّ ذلك ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾ كما قال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢]

قال الله تعالى له متهددًا ومتوعدًا: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي: مرجعكم كلكم إليّ، فأجازيكم بأعمالكم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)[الفجر]. وقيل: طريق الحق مرجعها إلى الله تعالى، وإليه تنتهي، قاله مجاهد والحسن وقتادة (١)، كما قال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩].

وقرأ قيس بن عبادة ومحمد بن سيرين وقتادة ﴿هذا صراط عليٌّ مستقيم﴾ (٢)، كقوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)[الزخرف] أي: رفيع، والمشهور القراءة الأولى.

وقوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ أي: الذين قدرت لهم الهداية فلا سبيل لك عليهم ولا وصول لك إليهم ﴿إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ استثناء منقطع.

وقد أورد ابن جرير ههنا من حديث عبد الله بن المبارك، عن عبد الله بن موهب، حدثنا يزيد بن قُسيط قال: كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له، ثم سأله ما بدا له، فبينا نبي في مسجده إِذ جاء عدو الله - يعني: إِبليس - حتى جلس بينه وبين القبلة، فقال النبي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: فردَّد ذلك ثلاث مرات، فقال عدو الله: أخبرني بأي شيء تنجو مني؟ فقال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين؟ فأخذ كل واحد منهما على صاحبه، فقال النبي: إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)﴾. قال عدو الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي: ويقول الله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)[الأعراف]، وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك. قال عدو الله: صدقت بهذا تنجو مني، فقال النبي: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ قال: آخذه عند الغضب والهوى (٣).

قوله ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)﴾ أي: جهنم موعد جميع من اتبع إِبليس، كما قال عن القرآن: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧]،

ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ أي: قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه، أجارنا الله منها، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر عمله.

قال إسماعيل بن عُلية وشعبة، كلاهما عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله، أنه قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو يخطب قال: إن أبواب جهنم هكذا - قال أبو هارون -


(١) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن وقتادة أخرجه الطبري بسند حسن عنهما.
(٢) وهي قراءة متواترة قرأ بها يعقوب.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإرسال يزيد بن قُسيط.