للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة حسدًا وكفرًا وعنادًا واستكبارًا وافتخارًا بالباطل، ولهذا قال: ﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ كما قال في الآية الأخرى، [﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾] (١) [الأعراف: ١٢] وقوله: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)[الإسراء].

وقد روى ابن جرير ههنا أثرًا غريبًا عجيبًا من حديث شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما خلق الله الملائكة قال: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢)[ص] قالوا: لا نفعل، فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال لهم مثل ذلك، [فقالوا: لا نفعل، فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾، فإِذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا، فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة فقال: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾، فإِذا أنا خلقته فاسجدوا له] (٢) قالوا: سمعنا وأطعنا، إِلا إِبليس كان من الكافرين الأولين (٣).

وفي ثبوت هذا عنه بعد، والظاهر أنه إسرائيلي، والله أعلم.

﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)﴾.

يقول آمرًا لإبليس أمرًا كونيًا لا يخالف ولا يمانع بالخروج من المنزلة التي كان فيها من الملأ الأعلى، وأنه رجيم، أي مرجوم، وأنه قد أتبعه لعنة لا تزال متصلة به لاحقة له متواترة عليه إلى يوم القيامة.

وعن سعيد بن جبير أنه قال: لما لعن الله إِبليس، تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورنَّ رنَّة، فكل رنَّة في الدنيا إلى يوم القيامة منها. رواه ابن أبي حاتم (٤)، وأنه لما تحقق الغضب الذي لا مردَّ له، سأل من تمام حسده لآدم وذريته النظرة إلى يوم القيامة، وهو يوم البعث، وأنه أجيب إلى ذلك استدراجًا له وإِمهالًا، فلما تحقق النظرة، قبّحه الله.

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن إِبليس وتمرده وعتوه أنه قال للرب: ﴿بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ قال بعضهم: أقسم بإِغواء الله له.

(قلت): ويحتمل أنه بسبب ما أغويتني وأضللتني ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ﴾ أي: لذرية آدم ﴿فِي


(١) زيادة من (مح).
(٢) ما بين معقوفين زيادة من الطبري و (مح).
(٣) أخرجه الطبري من طريق أبي عاصم عن شبيب بن بشر به ومن الطريق نفسه أخرجه أبو الشيخ (العظمة ح ١٠٣٩)، واستغربه الحافظ ابن كثير، وبيّن أنه إسرائيلي.
(٤) سنده مرسل وفيه غرابة.