للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)[الرحمن].

وعن مجاهد أيضًا: ﴿صَلْصَالٍ﴾ المنتن (١)، وتفسير الآية بالآية أولى.

قوله: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ أي: الصلصال من حمأ، وهو الطين. والمسنون: الأملس، كما قال الشاعر (٢):

ثم خاصرتها إلى القبة الخضـ … ــراء تمشي في مرمر مسنون

أي: أملس صقيل، ولهذا روي، عن ابن عباس أنه قال: هو التراب الرطب (٣).

وعن ابن عباس ومجاهد أيضًا والضحاك: أن الحمأ المسنون هو المنتن (٤). وقيل: المراد بالمسنون ههنا المصبوب.

وقوله: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل الإنسان ﴿مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ قال ابن عباس: هي السموم التي تقتل (٥)، وقال بعضهم: السموم بالليل والنهار، ومنهم من يقول: السموم بالليل والحرور بالنهار.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: دخلت على عمر الأصم أعوده، فقال: ألا أحدثك حديثًا سمعته من عبد الله بن مسعود، يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءًا من السموم التي خلق منها الجان، ثم قرأ ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)(٦).

وعن ابن عباس: أن الجان خلق من لهب النار (٧)، وفي رواية: من أحسن النار.

وعن عمرو بن دينار: من نار الشمس (٨).

وقد ورد في الصحيح: "خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" (٩). ومقصود الآية التنبيه على شرف آدم وطيب عنصره وطهارة محتدة.

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)﴾.

يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه وتشريفه إياه أمر الملائكة بالسجود له،


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) هو عبد الرحمن بن حسان، وقد قاله في رملة بنت معاوية، كما في الشعر والشعراء ١/ ٤٨٤.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "من طين رطب".
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق التميمي، وهو أربدة وهو ضعيف، عن ابن عباس.
(٦) أخرجه الطبري من طريق ابن داود به، وسنده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق أبي إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٧٤).
(٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك.
(٨) نسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار.
(٩) أخرجه مسلم من حديث عائشة (الصحيح، الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة ح ٢٩٩٦).