قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤)﴾ وقوله: ﴿دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ أي هامدين لا حراك بهم.
وذكر ههنا أنهم أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإِنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا﴾ [الأعراف: ٨٨] ناسب أن يذكر الرجفة، فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إِخراج نبيهم منها، وههنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي أسكتتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧)﴾ [الشعراء] قال: ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٨٩] وهذا من الأسرار الدقيقة، ولله الحمد والمنة كثيرًا دائمًا.
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ أي: يعيشوا في دارهم قبل ذلك ﴿أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ وكانوا جيرانهم قريبًا منهم في الدار وشبيهًا بهم في الكفر وقطع الطريق وكانوا عربًا شبههم.
يقول تعالى مخبرًا عن إِرسال موسى بآياته ودلالاته الباهرة إِلى فرعون وهو مالك ديار مصر على أمة القبط وملئه ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ أي: منهجه ومسلكه وطريقته في الغي ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ أي: ليس فيه رشد ولا هدى. وإِنما هو جهل وضلال وكفر وعناد، وكما أنهم اتبعوه في الدنيا وكان مقدمهم ورئيسهم كذلك هو يقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، فأوردهم إِياها وشربوا من حياض رداها، وله في ذلك الحظ الأوفر، من العذاب الأكبر، كما قال تعالى: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦)﴾ [المزمل] وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)﴾ [النازعات].
وقال تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)﴾ وكذلك شأن المتبوعين يكونون موفورين في العذاب يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨] وقال تعالى إِخبارًا عن الكفرة أنهم يقولون في النار: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)﴾ [الأحزاب].
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا أبو الجهم، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "امرؤ القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى النار"(١).
(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٢/ ٢٧ ح ٧١٢٧) قال محققوه: إسناده ضعيف جدًا. اهـ. وذلك لضعف أبي الجهم.