للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)[عبس].

﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ أي: أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبر وفاجر، كما قال تعالى: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٧].

﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ الآية، أي: الزموا أنتم وهم مكانًا معينًا امتازوا فيه عن مقام المؤمنين كما قال تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)[يس] وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)[الروم]، وفي الآية الأخرى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] أي: يصيرون صدعين، وهذا يكون إذا جاء الرب لفصل القضاء، ولهذا قيل ذلك يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا.

وفي الحديث الآخر: "نحن يوم القيامة على كوم (١) فوق الناس" (٢).

وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارًا عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة: ﴿مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ الآية، أنهم أنكروا عبادتهم وتبرأوا منهم كما قال تعالى: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ الآية [مريم] وقوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة: ١٦٦] وقوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً﴾ الآية [الأحقاف].

وقوله في هذه الآية إخبارًا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم:

﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ الآية، أي: ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بينا وبينكم أنّا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك، وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئًا، ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه، وقد تركوا عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شيء العليم بكل شيء، وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمرًا بعبادته وحده لا شريك له ناهيًا عن عبادة ما سواه كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل: ٣٦].

وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)


(١) الكوم: الموضع المشرف العالي.
(٢) أخرجه الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله ، مطولًا (المسند ٢٣/ ٦٣ ح ١٧٢١)، وقال محققوه: حديث صحيح، هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة، لكن تابعه ابن جريج فيما سيأتي برقم (١٥١١٥).