للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأنبياء]، وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)[الزخرف].

والمشركون أنواع وأقسام كثيرون قد ذكرهم الله في كتابه وبيّن أحوالهم وأقوالهم، وردّ عليهم فيما هم فيه أتمَّ ردِّ.

وقوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ أي: في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)[الطارق] وقال تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)[القيامة] وقال تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)[الإسراء] وقد قرأ بعضهم: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ (١)، وفسرها بعضهم بالقراءة، وفسرها بعضهم بمعنى: تتبع ما قدمت من خير وشر.

وفسرها بعضهم بحديث: "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت … " الحديث (٢).

وقوله: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ أي: ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ففصلها وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي: ذهب عن المشركين ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي: ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه.

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)﴾.

يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية إلهيته فقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقًا بقدرته ومشيئته فيخرج منها حبًا؟ ﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)[عبس]، ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠، ٦١، ٦٢، ٦٣، ٦٤] ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾، ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ [الملك: ٢١]، وقوله: ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ أي: الذي وهبكم هذه القوة السامعة والقوة الباصرة، ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ الآية [الملك: ٢٣]، وقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ الآية [الأنعام: ٢٦].

وقوله: ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ أي: بقدرته العظيمة ومنَّته العميمة، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك وأن الآية عامة لذلك كله.


(١) والشاهد فيها قراءة: (تتلو) وهي قراءة متواترة.
(٢) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري، الأذان، باب فضل السجود ح ٨٠٦)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (ح ١٨٢).